الأحد، 17 أبريل 2011

داخل زقاق المخيم

وصلت الى مركز التدريب مبكرا ذلك اليوم ، حيث أنني كنت أعمل على مشروع من مشاريع وكالة الغوث الدولية التطويرية في مخيم بيت عين الماء في مدينة نابلس ، يقام المشروع في مركز البرامج النسوية ويهدف الى مساعدة نساء اهل المخيم على تطوير قدراتهم التكنلوجية وخصوصا في مجال الحاسوب .
ذهبت مبكرا ذلك اليوم لاصلاح بعض المشاكل قبل أن تبدأ ورشة التدريب التي اقدمها هناك ، فوجئت أن مديرة المركز كانت باستراحة غداء وأنها قامت باغلاق المركز سابقا ، ومما زاد فجأتي هو أكتشافي ان رصيدي بالهاتف المتنقل كان قد انتهى ، مما يعني أنني لا أستطيع الاتصال بها طالبا المفتاح .
عدد من الصبية كانو يلعبون الكرة امام المركز ، وجهت سؤالا الى أحدهم : ( بتعرف وين بيت ام حازم ؟ ) أجابني  ذلك الصبي ( لا ما بعرف بس هاد بعرف ) مؤشرا على زميله الذي نفى بدوره لكي أكتشف لاحقا أن مديرة المركز خالة لهما !!!
جلست على الارض أمام المركز أدرس المنطقة الجغرافية للمكان ، المركز يقع في منتصف المخيم ، داخل زقاق يبعد عن الشارع الرئسي الذي يمثل نصف المخيم تقريبا بضع المئات من ألامتار ، كنت على يقين تام لو أنني وقفت وسط المخيم وقمت بالسؤال عن منزل أم حازم لاشار كل الناس الى منزلها ، ولكن حقيقية الى الان لم اعرف لماذا لم اقدم على اتخاذ تلك الخطوة .
تجمع عدد من أصدقاء الصبية حول المكان لمشاركة اصدقائهم اللعب ، فكرت مليا قبل اتخاذ الخطوة التالية ، كل شيئ داخلي كان يخبرني بعدم اتخاذها ولكني فعلت ، قمت بنداء جميع الاطفال وقلت لهم : ( اللي بروح عند ام حازم وبحكيلها انو استاذ الكمبيوتر هون بعطيه ( شيقل ) !! ) ، التفت الاطفال الى بعضهم البعض ( وكل واحد صار يحكي عن التاني هادا بعرف وهداك بعرف ) حتى هذه الحيلة لم تجدي نفعا ، ولكني حقيقة لا استطيع تحمل انتظار ثلاث ساعات اخري تحت الشمس بالانتظار .
استنجت لاحقا أن منزل أم حازم يقع باخر المخيم ، وذلك هو السبب لرفض الاطفال الذهاب بسبب بعد منزلها عن المكان ، بدات بالترويج لعرضي القديم من جديد حتى أتى طفل من بعيد وأخبرني أنه سوف يفعلها ، انتظرته ولكنه لم يغب سوى دقائق معدودوة وعاد واخبرني ( ما لقيت حدا بالبيت ) ، مما لا شك فيه أنه لم يصل الى نهاية الزقاق حتى ولكنني قمت باعطائه الشيقل !!
لم يعد باليد حيلة ، جلست اشاهد الاطفال يلعبون ، قمت باللعب معهم حينا ، هنا المنظر المؤسف المبكي ، ما كان يهيمن على تلك اللعبة هي شريعة الغاب ، الطفل القوي ياخذ الكرة متى اراد ويلعب متى أراد ، ولباقي الاطفال ما باليد حيلة ، ولكن المؤسف والمحزن هو التالي !
طبعا عدت الى منزلي دون أن أعرف اسم اي طفل من هؤلاء الاطفال ، لان اللغة التي كانو يتواصلون بها هي لغة الشتائم !!!! ( ........... امك،اختك،ربك،دينك ) والعديد العديد من الكلمات والشتائم النابية والمذلة التي تعرفت عليها ذلك اليوم والتي يمنعني حيائي كشاب من استخدامها !!، حتى في رهاناتهم أو ترهيبهم لبعضهم البعض ، تلك هي كانت لغة التخاطب الوحيدة بينهم .
الاطفال يلعبون داخل زقاق قريب من الشارع الرئيسي ، هذا  يعني أن كل المارة يستمعون اليهم ، واذا لم نعر اي اهتمام للمارة ن فان الطبيعة الجغرافية للمخيم تحتم وجود المنازل في كل بقعة داخل المخيم ، هذا يعني ان داخل ذلك الزقاق كان يوجد أكثر من عشرة منازل كانت تلك الشتائم هي مجموعة الموسيقى الخاصة بهم لفترة الظهيرة ،ها قد انتهى دوام مدرسة البنات ، وبدان الطالبات يخرجن من باب المدرسة الى الشارع الرئيسي مرورا بي وبالاطفال ، حتى هم لم تسلم اذانهم من تلك الموسيقى الصاخبة.
لم أستطع استيعاب ذلك الموضوع جيدا ، لم أقدر ان افسح له مجالا داخل عقلي أو مخيلتي حتى ، في اليوم التالي مباشرة قمت بالاتصال بصديقتي ريم ، هي احدى الصديقات المقربات لي والتي تقطن في نفس المخيم ، وسردت لها القصة من بدايتها ، وكان ردها وقعه فعلا مؤلم .....
( والله يا سيف مش عارفة ايش احكيلك ، ومن وانا عمري 6 سنينن وانا اسمع هادا الحكي ، وكان حتى ابوي يحكي بالبيت عالناس وعلى اخوتي ، وكنت كل ما اساله ايش يعني يضربني ، وازا سالت امي تحكيلي عيب البنات يحكو هاد الحكي ، مع انو اخوتي الصغار على طول بحكو هاد الكلام زي صباح الخير ، نوعا ما صارت زي ثقافة وعايشينها ، او بالاحرى انفرض علي وعلى كل البنات بالمخيم ايعيشوها !!!! )
صراحة أن هذا الموضوع سيطر على تفكيري لليومين السابقين ، لا اعرف هل ثقافة أنني اعيش في مخيم على سبيل المثال تعني هذا الكلام ؟؟؟ قضية اخرى من القضايا الكثيرة التي نحياها في ايامنا
 
 

في تلك السماء

حدقت به مطولاً ، أتفحص ساعتي مجدداً للمرة الرابعة الى الان  ، درجة أقتراب عقربي الساعات والدقائق توحي بتوقف الأرض عن الدوران ، هو في نفس وضعية جلوسه منذ البداية ، لم يحرك ساكناً ، ما يزال هو مثبتاً تاظريه الى سماء تلك الليلة ، وما أزال انا محدقاً به.
هو لم يعد يعي تلك الحقيقة بعد الان ، حواراتٌ مستمرةٌ في سبيل ارضاء بعضٍ من الذات ، وبعضٍ من الذات الاخرى ! ، بدأت انا باستحضار بعض الارواح تمهيدا لاستقبال الالهة ، هو .... استحضر بعض النجوم محضرا امنيته الاخيرة استقبالاً لشهابٍ تائه .
على ذلك الشاطئ ، اوقدنا بعض الحطب ، انتظرنا بداية العرض ، ألفنا نغماتٍ موسيقيةٍ تتحدث عنها هي ، في زاويةٍ مجهولةٍ تحت تلك القبة ، رأينا انبعاث ذاك الشعاش ، يترنح بضعفٍ من بعيد ، أيقظنا شمعاتٍ من سباتٍ دام مدة خمس عشرة عاماً .
اليوم لاحظت ابتسامةً على خده ، أحسست دفئا لم أحسه منذ مدة طويلة على وجنتيه ، يحاول اخفاء بعض الظواهر المخجلة ، ولكني كنت بمثابة مرآة لأفكاره وتصرفاته ، أحسست بكافة الأمور التي أحسها هو تلك اللحظة ، شاركته بعضاً منها .
بدأت الألوان تهيمن على جميع الطرقات ، تارة تلونه هو خريفا  ، وتارة تلونني ربيعا ، وتارة تلونه شمسا دافئة ، كل شيئٍ من حوله أصبح متعدد المعاني ، أصبحت الكلمات والمفردات تحمل في طياتها الكثير الكثير من المعاني الظاهرة كانت ام خفيةٍ ربما ، أصبح للموسيقى والاغاني طعمٌ ولونٌ آخر ، الكثير والكثير الكثير من المعاني والايحائات .
ألنزاع بين الحقيقة والوهم ، بين الخير والشر ، بين اليوم والبارحة ، كلها نزاعات تجري مع ذلك التيار لكي تصب اخيراً في بحر النزاع بين العقل والقلب ، نزاعٌ بدأ يتخذ حيزاً لا بأس به من رسوماته  ، الأختيار صعب ومكلف ، والنتيجة واضحة ، منذ فترة لم ألحظ ذلك الارتباك وعدم القدرة على اتخاذ القرارات  بنائناً على أفعاله .
فكر أن يذهب ويخبرها ، فكر مليا قبل أن يحدثها ، هو أخبرني ما عجز عن اخبارها ، ما لم تسعفه شجاعته أن يخبرها ، هو أخبرني أن كل رسوماته تلك لها هي ، أن كل تلك الوجوه على دفاتره لها هي ، أن كل كلماته كانت تتحدث عنها هي ، أن مسرحياته كلها تتدور عنها هي ، ألحانه وأغانيه ، صمته وكلامه كله لها هي ، ولكن لم يكن أبداً يملك الجرأة ليخبرها هي بذلك ، أخبرني أنا بذلك ، وأنا وعدته أن أكتم أسراره وأفكاره .
هي كانت خمس عشرة دقيقة ، ليست بكافية كي تفتح بعض الابواب المغلقة ، ولكنها كانت كفيلة بجعلها حزينة ، يا لسخافته ، حتى أجمل خمس عشرة دقيقة قام بتشويهها عنوة ، عائدين على ذلك الطريق ، بعض ألاشجار التي ما زالت تلبس ثوب الخريف بدأت بالابتسام مجددا ، ربما هي تود مفارقة الحياة ، أو ربما تستعد لارتداء اثواب عديدة أخرى في هذه الحياة أو ربما حياة أخرى .
انهينا جلستنا لهذا اليوم ، لبسنا انا وهو نفس الثوب ، ذلك الثوب الذي اشترته لي والدتي تحضيراً منها لرحلتي الطويلة ، صافحته بحرارة ، صافحت نفسي حقيقة ! ، أغلقت تلك النافذة ضبطت منبهي القديم ، وذهبت الى فراشي تاركاً كل تلك الهواجس منتظرتاً مرور ذلك الشهاب التائه لكي تسلمه امنياتٍ باتت بالكثيرة
 
 

ذلك الطريق


لوحدي سرت في الطريق فترة من الزمان ، رافقني صديقي بعضا من الوقت في سراديب وازقة ذلك الطريق ، ولكنني ما لبثت عدت اكمل مسيرتي لوحدي ومن جديد ، حاولت جاهدا ، حاولت اضافة بعض الالوان والانوار على قارعة ذلك الطريق  ، حاولت تزيينه بازهار زرعتها سابقا ، قمت بوضعها على بعض الشرفات ، رسمت سماءا خاصة بذلك الطريق ، وبائت كل محاولاتي بفشل تلو الاخر .
في اللحظة الاخيرة ، عندما اظلمت جميع تلك الطرقات ،عندما فقد هو الامل ، اغلق المنفذ الاخير الذي يؤدي الى النهاية ـ بل حقيقة قارب على الاغلاق ، احتاج الى معجزة لكي اصل اليه مبكرا قبل اغلاقه ، سطع ذلك الضوء من بعيد ، بصيص امل ليس بالمنتظر ، ولكنه كان يبدو له كسراب الصحراء المتعطشة ، لم يعره انتباها ، حتى اقترب ذلك الضوء شيئا فشيئا ، أسرعت اليه ، اقتربت منه أكثر ، ولكنه لم يكن كسراب الصحراء ببرهة ، كانت هي تقف هناك ، تنظر الي بعين الامل والشفقة ، وقعت على الارض من هول الصدمة ، لم يكن ليعتقد لحظة بانها هي ، اومأت براسها له ، مددت يديها لتلتقطه من  سباته وجفلته ، وحملته باجنحة ملائكية في محاولة لايصاله الى البوابة الاخيرة فيل فوات الاوان .
أنيرت كل تلك الطرقات على حين غرة ، زينت الورود جميع الشرفات ، ولونت السماء الوانا عدة ، حلقت في سمائنا اسراب واسراب من الطيور ، بدات اشعة المش تغازل خديها ، بدات الكثير والكثير من الاحلام تتحول الى حقيقة .
سرنا سويا في ذلك الطريق برهة من الوقت ، بدات عدادات الوقت تختصر الاقتباسات ، لحظات .. ثواني .. دقائق ... ساعت .... ايام ....سنين ..... جميع تلك العدادات ثبتت في ذات الوجهة ، وفي نفس ذات وجه العملة ، جميعها اصبحت تساوي نفس الوقت ، نعم لم يعد هناك اي احساس بالوقت .
أحلام قزحية رسمت ، ايضا على ذلك الطريق ، ها قد باتت تلك البوابة بالظهور ، لم يتبقى سوى القليل للخلاص ، أخيرا قد قمت بالتكفير عن جميع ذنوبي ، واويت الى خلاصي هناك ، في لحظات الضعف ابتسامتها تنير جميع الطرقات ، ترويها حكاية شرقية .... حكاية ليس من المقدر لها أن تجد دار نشر تؤول اليها او لاحضان قراء يتناولونها جيل بعد جيل .
باتت النهاية وشيكة ، لم يتبقى الكثير على تلك البوابة ، فرح وسرور عارم بدا يسري في اطرافي ، ماذا حدث فجاة ، اظلمت تلك الطريق من جديد ، ذبلت كل الازهار ، اثقلت الغيوم السوداء كاحل شمسنا ، لم تعد اجنحتها تقوى على حملي لاكمال ما تبقى من ذلك الممر ، لاجد نفسي وحيدا مرة اخرى ، هي كانت قد ذهبت وعبرت تلك البوابة في اخر لحظاتها ، عاركت جاهدا الوصول الى تلك البوابة قبل اغلاقها ، ولكن كان قد فات الاوان ........
ها انا اقوم برحلة العودة مجددا ، لابحث عن طريق اخر لكي اسير به مسيرتي الطويلة الى اللانهاية ومن جديد ، ولكن هذه المرة لوحدي ، دونما اي امل ، ها قد رسا مركبي هناك ، استعدادا لرحلة النهاية .