الأربعاء، 11 يوليو 2012

العاهرة والتنين

انها الساعة السادسة صباحا ، نعاس قاتل ما زال يثقل جفوني ، برد قارص بالخارج ، اصوات الهواء المتسلل من شقوق نوافذ غرفتي توحي باجتماع اشباح الارض جميعا هنا حولي ، أبحث عن عود ثقاب حتى اقوم بغلي قهوتي الصباحية ، تلك اللتي ما انفكت تلازمني ووحدتي لسنوات عديدة ، محطة اخبار الجزيرة تحتفل باكمالها خمسة عشر عام من الكذب والخداع والحقيقة والثورات وغيرها  ، أصوات شخيروالدي النائم تضفي ذلك النشاذ الموسيقي على سكون انغام المكان .
صديقي العزيز ما زال يكرر تلك العبارة ، (العاهرة والتنين) ، كلما ذكرنا موضوع نتائج الثانوية العامة ، وكيف ان الوزيرة في ذلك الحين بقرار مستبد قامت بالقضاء على جميع احلامه وطموحاته التعليمية وغيره من الاصدقاء ، العاهرة والتنين ، كم كان أن يتمنا لو أنه يمتلكها لبضع من الوقت ، حتى يرسم ملامح مستقبله على جبينها .
البارحة فقط كنت اسير بجنازة جدي احمل نعشه على كتفي ووالدي ومجموعة من الغرباء ، حتى وصلنا الى المقابر ، ما زلت اتعجب من ابداعات وامكانيات الشعب الفلسطيني ، الشعب الذي يبرز مهاراته وانتقاداته حتى في عملية الدفن الروتينية ، كل الحاضرين بدأو بتلاوة الافكار والاوامر على طريقة التحرك والدفن ، كلنا خبراء في كل المجالات ، كم انت عظيم ايها الشعب الفلسطيني .
لا تزال بعض الافكار تواردني احيانا ، لماذا وكيف ، وهنا وهناك ، كلها مسميات مختلفة لموضوعان متشابكان ، ومختلفان بنفس الوقت ، دائما ما استسلم الى النوم في طريقي الى عملي بمدينة رام الله صباحا ، حتى قهوتي لا تملك خيارا في سلبي عشقي الغير مبرر للنوم .
لطالما احببت فصل الشتاء حبا مطلقا ، لم اكن أرغب بشيئ كاقتراب فصل الشتاء ، حتى بادلتها هي عشقي الجديد لفصل الصيف وابتعادي عنك يا شتاء ،وها  انا الان اعود اليك طالبا منك الصفح ، وعدت الى ازيائي الشتوية ، اراقص ذرات المطر على ايقاع الفلامنجو ، وأألف من الرياح سيمفونيات لي وحدي انا ، واتلذذ بنسمات البرد على جسدي العاري كتلذذي بقدح النبيذ الاحمر في سبيل محاربة تلك النسمات .
لم تصادفني الى الان عاهرتي الخاصة ، ولكنني التقيت بالعديد من التنانين ، حتى الاسطورية منها ، جميعهم اساطير ، حتى تلك العاهرة بدات بالتصديق بأنها اسطورية ايضا ، أوعنقاء فاجرة القت ثوب النقاء جانبا ، وتحولت الى بشرية ، ولوثت نفسها بغرائزنا الكافرة .
في داخل ترويقة ، ذلك المكان الذي يمثل واحدة من ادماناتي الكثيرة ، ما زالت تلك الفتاة تحدق بي ، وانا المحها بطرف عيني ، لم تكن نظراتي بريئة ابدا ، لا سيما عندما هي بدات بالابتسام ، لا شعوريا بادلتها الابتسامة  ، ولا اعلم كم مضى من الوقت بالتحديق حتى كنا جالسين مع بعضنا البعض على نفس الطاولة ، نتبادل الحديث بدل النظرات .
كم اعشق البساطة في حياتي ، لا اكترث الى الناس وارائهم ، فانا دائما افعل ما اراه صحيحا ، اسير بكل الطرق التي تحلو لي ، ارتدي ما ارغب من ملابس مهما كانت غريبة ، او بالاحرى ليس من المعتاد رؤيتها في محيطنا .
ما زال صديقي يندب حظه مع تلك العاهرة التي كانت سيجارة مور واحدة كافية لاحراق ذكراها المؤلمة وبدء حياة جديدة وانطلاقة مفعمة بالامل ، وانا ما ازال ابحث عن تلك السيجارة الاسطورية التي سوف تكون كفيلة ببداي من جديد ......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق