انها الساعة السادسة صباحا ، نعاس قاتل ما زال يثقل جفوني ، برد
قارص بالخارج ، اصوات الهواء المتسلل من شقوق نوافذ غرفتي توحي باجتماع
اشباح الارض جميعا هنا حولي ، أبحث عن عود ثقاب حتى اقوم بغلي قهوتي
الصباحية ، تلك اللتي ما انفكت تلازمني ووحدتي لسنوات عديدة ، محطة اخبار
الجزيرة تحتفل باكمالها خمسة عشر عام من الكذب والخداع والحقيقة والثورات
وغيرها ، أصوات شخيروالدي النائم تضفي ذلك النشاذ الموسيقي على سكون انغام
المكان .
صديقي العزيز ما زال يكرر تلك العبارة ،
(العاهرة والتنين) ، كلما ذكرنا موضوع نتائج الثانوية العامة ، وكيف ان
الوزيرة في ذلك الحين بقرار مستبد قامت بالقضاء على جميع احلامه وطموحاته
التعليمية وغيره من الاصدقاء ، العاهرة والتنين ، كم كان أن يتمنا لو أنه
يمتلكها لبضع من الوقت ، حتى يرسم ملامح مستقبله على جبينها .
البارحة
فقط كنت اسير بجنازة جدي احمل نعشه على كتفي ووالدي ومجموعة من الغرباء ،
حتى وصلنا الى المقابر ، ما زلت اتعجب من ابداعات وامكانيات الشعب
الفلسطيني ، الشعب الذي يبرز مهاراته وانتقاداته حتى في عملية الدفن
الروتينية ، كل الحاضرين بدأو بتلاوة الافكار والاوامر على طريقة التحرك
والدفن ، كلنا خبراء في كل المجالات ، كم انت عظيم ايها الشعب الفلسطيني .
لا
تزال بعض الافكار تواردني احيانا ، لماذا وكيف ، وهنا وهناك ، كلها مسميات
مختلفة لموضوعان متشابكان ، ومختلفان بنفس الوقت ، دائما ما استسلم الى
النوم في طريقي الى عملي بمدينة رام الله صباحا ، حتى قهوتي لا تملك خيارا
في سلبي عشقي الغير مبرر للنوم .
لطالما احببت فصل
الشتاء حبا مطلقا ، لم اكن أرغب بشيئ كاقتراب فصل الشتاء ، حتى بادلتها هي
عشقي الجديد لفصل الصيف وابتعادي عنك يا شتاء ،وها انا الان اعود اليك
طالبا منك الصفح ، وعدت الى ازيائي الشتوية ، اراقص ذرات المطر على ايقاع
الفلامنجو ، وأألف من الرياح سيمفونيات لي وحدي انا ، واتلذذ بنسمات البرد
على جسدي العاري كتلذذي بقدح النبيذ الاحمر في سبيل محاربة تلك النسمات .
لم
تصادفني الى الان عاهرتي الخاصة ، ولكنني التقيت بالعديد من التنانين ،
حتى الاسطورية منها ، جميعهم اساطير ، حتى تلك العاهرة بدات بالتصديق بأنها
اسطورية ايضا ، أوعنقاء فاجرة القت ثوب النقاء جانبا ، وتحولت الى بشرية ،
ولوثت نفسها بغرائزنا الكافرة .
في داخل ترويقة ،
ذلك المكان الذي يمثل واحدة من ادماناتي الكثيرة ، ما زالت تلك الفتاة تحدق
بي ، وانا المحها بطرف عيني ، لم تكن نظراتي بريئة ابدا ، لا سيما عندما
هي بدات بالابتسام ، لا شعوريا بادلتها الابتسامة ، ولا اعلم كم مضى من
الوقت بالتحديق حتى كنا جالسين مع بعضنا البعض على نفس الطاولة ، نتبادل
الحديث بدل النظرات .
كم اعشق البساطة في حياتي ،
لا اكترث الى الناس وارائهم ، فانا دائما افعل ما اراه صحيحا ، اسير بكل
الطرق التي تحلو لي ، ارتدي ما ارغب من ملابس مهما كانت غريبة ، او بالاحرى
ليس من المعتاد رؤيتها في محيطنا .
ما زال صديقي
يندب حظه مع تلك العاهرة التي كانت سيجارة مور واحدة كافية لاحراق ذكراها
المؤلمة وبدء حياة جديدة وانطلاقة مفعمة بالامل ، وانا ما ازال ابحث عن تلك
السيجارة الاسطورية التي سوف تكون كفيلة ببداي من جديد ......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق